الاستثمارات السورية في مصر وتركيا- فرص وتحديات واعدة

المؤلف: د. عمرو هاشم ربيع10.19.2025
الاستثمارات السورية في مصر وتركيا- فرص وتحديات واعدة

تسعى دول عديدة لجذب استثمارات ضخمة من الشركات متعددة الجنسيات ورجال الأعمال النافذين، بهدف تعزيز النمو الاقتصادي، وتنشيط الناتج المحلي الإجمالي، وتحقيق التنمية المستدامة المنشودة. ومع ذلك، ثمة نوع آخر من الاستثمارات الأجنبية، وإن كانت تبدو متواضعة، لا يقل أهمية، بل قد يفوقها في تحقيق عوائد مجزية. هذه الاستثمارات الصغيرة والمتنوعة، قادرة على إحداث تحولات جذرية في اقتصادات الدول المضيفة.

خير مثال على ذلك، الاستثمارات التي قام بها المهاجرون السوريون في الاقتصادين المصري والتركي منذ اندلاع الأزمة في بلادهم. هذه الاستثمارات تساهم بشكل فعال في الحد من البطالة وتوفير فرص عمل جديدة، كما تسد الفجوات التمويلية وتعزز الكفاءة الإنتاجية من خلال دعم التنافسية وتوسيع نطاق الأسواق. بالإضافة إلى ذلك، تضخ هذه الاستثمارات رؤوس الأموال، وتنقل التكنولوجيا، وتجلب الخبرات الفنية المتخصصة، مما يؤدي إلى زيادة إنتاجية العمل وتحسين جودته. كما تساهم في تطوير المؤسسات والمهارات، وتحسين هياكل الإنتاج والقيمة المضافة، مما يجذب المزيد من الاستثمارات ويعزز التجارة الدولية.

لم تكن هذه الاستثمارات تحظى بأهمية ملحوظة قبل الأحداث المأساوية التي شهدتها سوريا بدءًا من عام 2011. فالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتدهورة دفعت ملايين السوريين إلى الهجرة القسرية. تحملت دول الجوار، وعلى رأسها لبنان ومصر وتركيا والأردن، العبء الأكبر من هذه الهجرة. ومع مرور الوقت، تركزت الهجرة بشكل خاص نحو مصر وتركيا، نظرًا لاتساع أسواقهما المحلية، وازدهار حركة التجارة الخارجية فيهما. تتميز تركيا أيضًا بمشاركتها الحدود الجغرافية مع سوريا، بينما تتميز مصر باللغة والثقافة المشتركة، والعلاقات التاريخية الوطيدة التي تجمع الشعبين.

في مصر، يقيم حوالي 1.5 مليون سوري، ولا يواجهون صعوبات جمة في التأقلم والاندماج، على عكس الوضع في تركيا، حيث يخضع السوريون لنظام "الحماية المؤقتة". ووفقًا لإحصائيات دائرة الهجرة التركية، يبلغ عدد السوريين في تركيا 3,112,683 نسمة، ويواجهون أحيانًا حملات عنصرية بغيضة، على الرغم من أنهم لا ينافسون الأتراك بشكل كبير في سوق العمل. ويبدو أن التعقيدات البيروقراطية تشكل عائقًا أكبر في تركيا، التي تنتهج سياسة ترحيل ممنهجة. وتشير بعض التقديرات إلى أن السلطات التركية تعتزم ترحيل 200 ألف سوري خلال عام 2024.

أما في مصر، فيقيم السوريون بتأشيرة سياحية مؤقتة، أو بصفة لاجئ، أو طالب، أو بموجب تصريح عمل. ولا يحق لحاملي التأشيرة السياحية أو اللاجئين فتح حسابات بنكية أو الحصول على أرقام هواتف محمولة، بينما يواجه الراغبون في الحصول على تصاريح عمل إجراءات أمنية وإدارية معقدة.

تجدر الإشارة إلى أن الإجراءات الإدارية لا تستهدف جنسية محددة، فالمصريون أنفسهم يعانون تاريخيًا من البيروقراطية الحكومية المعقدة. ويشترط على حامل تصريح العمل ألا يمارس مهنة الإرشاد السياحي أو التجارة الخارجية، كما يقضي القانون بألا تتجاوز نسبة العمال الأجانب في أي مؤسسة 10%. ولهذا السبب، يلجأ بعض السوريين المسجلين كلاجئين إلى العمل من الباطن تحت ستار سوريين آخرين تمكنوا من تجاوز العقبات الإدارية، مما يؤدي إلى تضخم حجم القطاع غير الرسمي للعمالة الأجنبية.

وفي تركيا أيضًا، يواجه المستثمرون السوريون صعوبات في الحصول على تصاريح عمل، نظرًا للتعقيدات البيروقراطية والأمنية. ويعتمد السوريون بشكل كبير على توظيف بعضهم البعض؛ نتيجة لصعوبات التواصل اللغوي. وقد ازداد حجم القطاع الاستثماري الأجنبي غير الرسمي في تركيا بشكل ملحوظ مقارنة بمصر، وذلك بسبب ارتفاع أعداد المهاجرين.

إلا أن تركيا لا تفرض قيودًا على عمل السوريين في قطاع التجارة الخارجية، على عكس مصر. ويقدر مركز حرمون السوري للدراسات أن 55% من أنشطة السوريين في تركيا تتركز في قطاع التصدير، أو تستهدف تلبية احتياجات الجالية السورية هناك.

وقد صرح رجل الأعمال السوري عبد الغفور عصفور بأن السوريين في تركيا يصدرون منتجاتهم إلى 50 دولة أجنبية، وأن قيمة صادراتهم بلغت 500 مليار دولار. ولكن، على عكس مصر، تشن السلطات التركية مؤخرًا حملات منظمة ومستمرة لترحيل السوريين، بمن فيهم المستثمرون، بسبب مشكلات تتعلق بالإقامة.

يتركز المستثمرون السوريون في مصر في محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية، بينما تتمركز غالبيتهم في تركيا في ولايات إسطنبول وغازي عنتاب وأورفا الحدوديتين.

وقد بادر السوريون في مصر وتركيا بالاستثمار في قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث أسسوا آلاف المطاعم، وانخرطوا في الصناعات التحويلية، مثل صناعة النسيج والملابس والمفروشات والمعجنات ومنتجات الألبان وتقديم الخدمات المتنوعة. ووفقًا لتقرير صادر عن الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة في مصر، بلغ حجم استثماراتهم الرسمية في مصر 800 مليون دولار، مع توقعات بأن يكون حجم الاستثمار الحقيقي أكبر من ذلك بكثير.

أما في تركيا، فقدرت غرفة تجارة إسطنبول حجم أعمالهم في عام 2017 بنحو 1.96% من الناتج المحلي الإجمالي، وتوقعت أن يصل إلى 4.05% بحلول عام 2028. وتشير تقديرات مركز حرمون للدراسات إلى أن حجم استثماراتهم يبلغ حاليًا حوالي 10 مليارات دولار، وأن السوريين قد ساهموا في توفير حوالي 700 ألف فرصة عمل في تركيا.

وعلى الرغم من الصعوبات والتحديات، تشهد الاستثمارات السورية في تركيا ومصر نموًا متزايدًا. ويسعى مجتمع الأعمال في البلدين إلى حماية وتسهيل هذه الاستثمارات من خلال توحيد جهودهم وتنظيم أنفسهم في مؤسسات مجتمع مدني خاصة برجال الأعمال السوريين.

ففي مصر، يوجد "تجمع رجال الأعمال السوريين" منذ عام 2013 برئاسة خلدون الموقع، و"جمعية الصداقة المصرية السورية" برئاسة طلال العطار، وتتعاون هاتان الجمعيتان مع غرفة التجارة بالقاهرة والسلطات المصرية المختصة.

وفي تركيا، توجد "جمعية رجال الأعمال والصناعيين العرب" (أسياد) برئاسة عبد الغفور عصفور، و"جمعية سياد" برئاسة زياد شمعون، و"تجمع رجال الأعمال السوريين بتركيا" (سورياد) في غازي عنتاب.

وختامًا، يمكن القول إن الاستثمارات السورية تلعب دورًا حيويًا في اقتصادات الدول المضيفة، فهي تُعد من بين أكبر الاستثمارات الأجنبية المتوسطة والصغيرة في مصر، وتمثل حوالي 14% من حجم الاستثمار الأجنبي في تركيا. وتواجه هذه الاستثمارات مصاعب جمة في تركيا، بسبب تصاعد موجات العنصرية تجاه اللاجئين السوريين. أما في مصر، فهي تحتل المرتبة الأولى من حيث حجم الاستثمار الفردي الأجنبي، وتشهد نموًا سريعًا بفضل العقلية التجارية المتميزة التي يتمتع بها المواطنون السوريون. وقد بادر العديد من التجار ورجال الأعمال السوريين إلى نقل عائلاتهم إلى مصر، وإيداع مبالغ مالية ضخمة تقدر بنحو 20 مليار دولار في البنوك المصرية.

وبناءً على ما سبق، فإن الوضع الآمن والمستقر الذي يتمتع به السوريون في مصر يجعلها بيئة جاذبة ومواتية للأعمال والاستثمارات السورية، مقارنة بالوضع الراهن في تركيا، حيث تتفاقم العنصرية وتتصاعد عمليات الترحيل القسري، وترفض البنوك تمويل المشروعات التجارية المملوكة للسوريين. وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يظل وضع السوريين في هذين البلدين أفضل بكثير مما هو عليه في بلدان عربية أخرى.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة